نحو مقياس علمي لإسهام المنظمات الأهلية في عملية التنمية
من أهم المشكلات التي تواجه الدارسين وصناع القرار وغيرهم من المهتمين بالقطاع الأهلي العربي صعوبة تقدير أو قياس إسهام هذا القطاع في جهود التنمية التي تبذلها مختلف البلدان العربية. وقد تنامي حجم هذا القطاع حتي وصل حسب بعض التقديرات الحديثة إلي مائتي ألف منظمة علي مستوي الوطن العربي ومع الزيادة المستمرة في الاهتمام بالدور الذي تقوم به المنظمات والمؤسسات والهيئات الأهلية غير الحكومية لم يعد من المقبول الاستمرار في استخدام صفات بلاغية فضفاضة للتعبير عن حجم هذا الإسهام مثل القول بأنه إسهام كبير جدا أو ضخم أو مؤثر أو أن هذا الإسهام علي العكس من ذلك في رأي البعض' ضئيل' أو محدود أو غير مؤثر. وإذا كان من المقبول استخدام مثل تلك النعوت في فترة سابقة بهدف لفت الانتباه إلي أهمية هذا القطاع الأهلي باعتباره ميدانا جديدا للبحث والمعرفة وعدم وضوح ملامحه إلا أنه قد آن الأوان للانتقال إلي مرحلة جديدة تعتمد أساليب القياس والتقييم في النظر إلي دور هذا القطاع وتقدير وتطوير إسهاماته في جهود التنمية العربية بشكل عام.
وقد يبدو أن قياس الإسهام الفعلي للقطاع الأهلي العربي أمر يهم نخبة محدودة فقط من المختصين أو الأكاديميين ولكن الواقع يشير إلي أنه أمر يقع في صميم عمل قطاعات أوسع من الممارسين للعمل الأهلي وقياداته وللمثقفين المهمومين بالشأن العام لمجتمعهم وللمواطنين الذين يشاركون في دعم أعمال القطاع الأهلي والذين يستفيدون من خدماته ومشروعاته المختلفة إلي جانب صناع القرار والمسئولين التنفيذيين الذين يعنيهم أمر المجتمع والدولة معا. ولهذه الأسباب ربما يكون من المهم إثارة الاهتمام بهذا الموضوع باعتباره أحد مكونات الثقافة المدنية في المجتمع وليس فقط أحد موضوعات الدرس الأكاديمي المتخصص.
أهمية القياس
صحيح أن هناك تقدما معرفيا وتراكما علميا تم إحرازه في مجال العمل الأهلي خلال السنوات الماضية ولكنه لا يكفي وحده ـ حتي الآن ـ للانتقال إلي مرحلة القياس الدقيق لإسهام القطاع الأهلي في التنمية ومع ذلك فإن المسارعة إلي تطوير مؤشرات قياس الإسهام الاقتصادي والاجتماعي للقطاع ـ حتي وإن كانت معيبة نتيجة قصور هنا أو هناك ـ تعتبر حافزا قويا ليس فقط للبدء بالخطوة الأولي علي طريق القياس العلمي الدقيق وإنما ستكون هذه المؤشرات أيضا حافزا لكل منظمة أهلية إلي ضمان موقع متقدم لها علي مقياس مؤشرات الإنجاز ومن ثم لبذل مزيد من الجهود لتطوير أدائها ورفع مستوي كفاءتها في توظيف مواردها المالية والبشرية حتي تحقق أهدافها الأمر الذي يؤدي إلي الاهتمام بعمليتين أساسيتين في تحسين الأداء وفي توفير إمكانيات القياس الدقيق في آن واحد وهما: عملية التخطيط وعملية التقييم داخل كل منظمة من منظمات القطاع الأهلي ومن ثم يمكن قياس الإسهام الكلي لتلك المنظمات في إنجاز خطط التنمية.
ويرى د. إبراهيم البيومي غانم أنه بالرغم من اختلاف عملية القياس عن عملية التقييم إلا أن التخطيط والتقييم والقياس عبارة عن ثلاث حلقات مترابطة ومتواصلة علي مستوي الممارسة الواقعية فالتخطيط ينطوي علي التقييم وهذا بدوره يحتوي عناصر علي درجة كبيرة من الأهمية في القياس مثل تقدير مدي فعالية المشروع أو البرنامج في تحقيق أهدافه والتمييز بين التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للمشروع من جهة والتأثيرات التي تحدث نتيجة عوامل خارجة عن المنظمة أو المؤسسة محل التقييم من جهة أخري إضافة إلي الربط بين نتائج المشروع وبين التخطيط ومن ثم يمكن استخدام نتائج عملية التقييم في التخطيط الجديد للمستقبل.
وللتقييم أهداف متعددة وذات صلة قوية بالقياس أيضا ومن ذلك أن التقييم يهدف إلي معرفة حالة المنظمة من خلال ما تقوم به من مشروعات وبرامج ويسعي للوصول إلي الأسباب التي تقف خلف تدني مستوي الأداء ومحاولة التغلب عليها إلي جانب التعرف علي تأثير الأداء الكلي للمنظمة علي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البيئة التي تعمل فيها.
إن مفهوم' القياس' يقصد به تلك' العملية التي تقودنا إلي التحديد الكمي لما تم إنجازه بل والتقدير الكيفي إلي جانبه أحيانا منظورا إليها في سياقه الاجتماعي العام وليس فقط في ضوء الخطة الخاصة للمنظمة مثلما هو الحال في عملية التقييم.
أما' المقياس' كأداة فهو عبارة عن أداة مركبة من مؤشرين أو أكثر لتمثيل الأبعاد المختلفة للموضوع محل القياس فمثلا: مقياس نوعية الحياة هو مقياس مركب ويمكن أن يتضمن مؤشرات مثل: متوسط الدخل ومستوي التعليم والرعاية الصحية ومتوسط الإنفاق الشهري علي الطعام والشراب وعدد ساعات القراءة للفرد كل شهر ونوعية المسكن(ملك ـ إيجار)... إلخ. كذلك إذا أردنا بناء مقياس للإسهام الاجتماعي والاقتصادي لمنظمات القطاع الأهلي فإنه سيكون مركبا بالضرورة نظرا لتعدد الجوانب والأدوار التي يقوم بها هذا القطاع في خدمة المجتمع. وعلي ذلك يمكن القول إنه بناء أي مقياس يتطلب الإجابة علي سؤالين أساسيين هما:
1ـ ما المؤشرات التي ستدخل في تكوين المقياس
كيف سيتم وزن كل مؤشر
وتلتقي عملية التقييم مع عملية القياس في مجموعة الإجراءات اللازمة لكليهما فالتقييم يتطلب جمع أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات الدقيقة عن نشاط المؤسسة أو المنظمة والتعرف علي أهدافها واختيار المعايير التي يمكن بها تحديد مستوي الإنجاز وجمع البيانات والإحصاءات الدقيقة عن الإنجازات الفعلية ثم تحليل البيانات والإحصاءات وفقا لأساليب التحليل الكمي/ الإحصائي وتقدير ما إذا كان الأداء مكافئا لحجم النفقات أم أقل وتفسير النتيجة في كلتا الحالتين. وتصب حصيلة هذا كله في اتجاه القياس وتيسر ـ إلي حد كبير ـ عملية بناء المقياس ذاته كما أنها تسهم في بلورة مؤشراته القابلة للملاحظة والتحديد الكمي وبالتالي يكون من الممكن تحديد الأوزان النسبية لكل منها وحساب تأثيره علي أداء المنظمات الأهلية وإسهامها في التنمية البشرية وفي التقدم الاجتماعي والاقتصادي علي المستوي الوطني أو القومي العام.
وبخلاف عملية التخطيط التي لا تواجه صعوبات كبيرة وكذلك عملية التقييم التي تواجه بعض الصعوبات النظرية والتقنية نجد أن عملية بناء المقياس وتحديد مؤشرات القياس تواجه إشكاليات كبيرة علي المستويين النظري والتقني ومن ثم تحتاج إلي كثير من الجهود والاختبارات حتي يمكن التوصل إلي مقياس ذي كفاءة وذي جدوي عملية.
إشكاليات القياس
من المفيد في هذا السياق إن نلقي الضوء علي أهم هذه الإشكاليات الخاصة بقياس إسهام القطاع الأهلي العربي في التنمية ويمكن إيجازها في الآتي.
1ـ عدم تبلور الدور الاقتصادي والاجتماعي للمنظمات الأهلية العربية في نظم إحصائية دقيقة تعكس تفاصيل حجم هذا القطاع ومجالات نشاطه ومصادر تمويله وغير ذلك من البيانات التي تفيد في تحديد وتحليل حجم هذا الدور علي المستويين الجزئي والكلي.
2ـ الطبيعة المختلطة للقطاع الأهلي العربي وصعوبة تعريفه أصلا تعريفا جامعا مانعا يستوفي جميع مفرداته إلي جانب تعدد النشاطات التي تمارسها المنظمة الأهلية الواحدة الأمر الذي يجعل من الصعب وضع معايير موحدة للتصنيف والرصد والتحليل ومن ثم التقدير الكمي والقياس الدقيق للإسهام الاجتماعي والاقتصادي للقطاع كله.
3ـ صعوبة تحويل بعض النشاطات المهمة التي يقوم بها القطاع الأهلي إلي أرقام وإحصاءات مثل نشاطات الرعاية الاجتماعية التي هي متنوعة بطبيعتها ولا يمكن ترجمتها إلي لغة الأرقام في كثير من الأحيان. وإذا أسقطنا من حسابنا هذا النمط من النشاط الأهلي فإن أي عملية للقياس ستكون مبتورة بالضرورة وغير معبرة عن الواقع.
4 ـ هناك أيضا إشكالية معقدة تتمثل في المزايا النسبية للخدمات والسلع التي توفرها منظمات القطاع الأهلي ويطلق عليها مزايا الاختيار المؤسسي ويقصد بها ثقة العملاءالمستفيدين في المؤسسة أو المنظمة التي تقدم السلعة أو الخدمة. ويقوم هذا المفهوم علي حساب قيمة الفرصة البديلة التي فقدت من الموارد. وفي حالة القطاع الخاص تحسم آليات السوق وقوانينه هذه المسألة بوضوح أما في حالة القطاع الأهلي فيصعب تقدير قيمة الفرصة البديلة حيث أن العوائد الناجمة عن اختيار تأسيس مشروع ما ـ وليكن عيادة خارجية ـ تتضمن أعباء اجتماعية غير منظورة بالأرقام والإحصاءات ولكنها تدخل في صميم تقدير العائد الاجتماعي للمشروع إلي جانب جدواه الاقتصادية وربما قبلها.
5ـ إشكالية عدم وجود قاعدة بيانات عن القطاع الأهلي وبالتالي لا مناص من القيام بسلسلة من الدراسات المسحية حتي يمكن البناء عليها في عملية قياس إسهام هذا القطاع. ومثل هذه الدراسات لا تزال تواجه بإحجام من بعض المنظمات رغبة في عدم الإفصاح عن بعض البيانات الأساسية مثل الميزانية ومصادر التمويل.
إن الإشكاليات السابق ذكرها تشير بوضوح إلي أن منظمات القطاع الأهلي لا تعمل في عزلة عن باقي قطاعات الاقتصاد الوطني أو القومي بل إنها تتداخل معها في نقاط متعددة فالقطاع الأهلي مثلا له رسالة تتمثل في المصلحة العامة شأنه شأن الحكومة كما أنه يشاركها في عدم توزيع الأرباح ومن هنا يختلفان مع القطاع الخاص ومؤسساته ولكن القطاع الأهلي يعود ليتفق مع الخاص في أن كلا منهما له إدارة خاصة وليست إدارة عامة كالحكومة أضف إلي ذلك شبه استحالة فصل الجانب الاجتماعي عن الاقتصادي في نشاط المنظمات الأهلية. وعليه فإن حل الإشكاليات التي ذكرناها هو مسئولية مشتركة ولا بد من تكاتف الجهود الحكومية والأهلية من أجل التغلب عليها.
من أهم المشكلات التي تواجه الدارسين وصناع القرار وغيرهم من المهتمين بالقطاع الأهلي العربي صعوبة تقدير أو قياس إسهام هذا القطاع في جهود التنمية التي تبذلها مختلف البلدان العربية. وقد تنامي حجم هذا القطاع حتي وصل حسب بعض التقديرات الحديثة إلي مائتي ألف منظمة علي مستوي الوطن العربي ومع الزيادة المستمرة في الاهتمام بالدور الذي تقوم به المنظمات والمؤسسات والهيئات الأهلية غير الحكومية لم يعد من المقبول الاستمرار في استخدام صفات بلاغية فضفاضة للتعبير عن حجم هذا الإسهام مثل القول بأنه إسهام كبير جدا أو ضخم أو مؤثر أو أن هذا الإسهام علي العكس من ذلك في رأي البعض' ضئيل' أو محدود أو غير مؤثر. وإذا كان من المقبول استخدام مثل تلك النعوت في فترة سابقة بهدف لفت الانتباه إلي أهمية هذا القطاع الأهلي باعتباره ميدانا جديدا للبحث والمعرفة وعدم وضوح ملامحه إلا أنه قد آن الأوان للانتقال إلي مرحلة جديدة تعتمد أساليب القياس والتقييم في النظر إلي دور هذا القطاع وتقدير وتطوير إسهاماته في جهود التنمية العربية بشكل عام.
وقد يبدو أن قياس الإسهام الفعلي للقطاع الأهلي العربي أمر يهم نخبة محدودة فقط من المختصين أو الأكاديميين ولكن الواقع يشير إلي أنه أمر يقع في صميم عمل قطاعات أوسع من الممارسين للعمل الأهلي وقياداته وللمثقفين المهمومين بالشأن العام لمجتمعهم وللمواطنين الذين يشاركون في دعم أعمال القطاع الأهلي والذين يستفيدون من خدماته ومشروعاته المختلفة إلي جانب صناع القرار والمسئولين التنفيذيين الذين يعنيهم أمر المجتمع والدولة معا. ولهذه الأسباب ربما يكون من المهم إثارة الاهتمام بهذا الموضوع باعتباره أحد مكونات الثقافة المدنية في المجتمع وليس فقط أحد موضوعات الدرس الأكاديمي المتخصص.
أهمية القياس
صحيح أن هناك تقدما معرفيا وتراكما علميا تم إحرازه في مجال العمل الأهلي خلال السنوات الماضية ولكنه لا يكفي وحده ـ حتي الآن ـ للانتقال إلي مرحلة القياس الدقيق لإسهام القطاع الأهلي في التنمية ومع ذلك فإن المسارعة إلي تطوير مؤشرات قياس الإسهام الاقتصادي والاجتماعي للقطاع ـ حتي وإن كانت معيبة نتيجة قصور هنا أو هناك ـ تعتبر حافزا قويا ليس فقط للبدء بالخطوة الأولي علي طريق القياس العلمي الدقيق وإنما ستكون هذه المؤشرات أيضا حافزا لكل منظمة أهلية إلي ضمان موقع متقدم لها علي مقياس مؤشرات الإنجاز ومن ثم لبذل مزيد من الجهود لتطوير أدائها ورفع مستوي كفاءتها في توظيف مواردها المالية والبشرية حتي تحقق أهدافها الأمر الذي يؤدي إلي الاهتمام بعمليتين أساسيتين في تحسين الأداء وفي توفير إمكانيات القياس الدقيق في آن واحد وهما: عملية التخطيط وعملية التقييم داخل كل منظمة من منظمات القطاع الأهلي ومن ثم يمكن قياس الإسهام الكلي لتلك المنظمات في إنجاز خطط التنمية.
ويرى د. إبراهيم البيومي غانم أنه بالرغم من اختلاف عملية القياس عن عملية التقييم إلا أن التخطيط والتقييم والقياس عبارة عن ثلاث حلقات مترابطة ومتواصلة علي مستوي الممارسة الواقعية فالتخطيط ينطوي علي التقييم وهذا بدوره يحتوي عناصر علي درجة كبيرة من الأهمية في القياس مثل تقدير مدي فعالية المشروع أو البرنامج في تحقيق أهدافه والتمييز بين التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للمشروع من جهة والتأثيرات التي تحدث نتيجة عوامل خارجة عن المنظمة أو المؤسسة محل التقييم من جهة أخري إضافة إلي الربط بين نتائج المشروع وبين التخطيط ومن ثم يمكن استخدام نتائج عملية التقييم في التخطيط الجديد للمستقبل.
وللتقييم أهداف متعددة وذات صلة قوية بالقياس أيضا ومن ذلك أن التقييم يهدف إلي معرفة حالة المنظمة من خلال ما تقوم به من مشروعات وبرامج ويسعي للوصول إلي الأسباب التي تقف خلف تدني مستوي الأداء ومحاولة التغلب عليها إلي جانب التعرف علي تأثير الأداء الكلي للمنظمة علي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البيئة التي تعمل فيها.
إن مفهوم' القياس' يقصد به تلك' العملية التي تقودنا إلي التحديد الكمي لما تم إنجازه بل والتقدير الكيفي إلي جانبه أحيانا منظورا إليها في سياقه الاجتماعي العام وليس فقط في ضوء الخطة الخاصة للمنظمة مثلما هو الحال في عملية التقييم.
أما' المقياس' كأداة فهو عبارة عن أداة مركبة من مؤشرين أو أكثر لتمثيل الأبعاد المختلفة للموضوع محل القياس فمثلا: مقياس نوعية الحياة هو مقياس مركب ويمكن أن يتضمن مؤشرات مثل: متوسط الدخل ومستوي التعليم والرعاية الصحية ومتوسط الإنفاق الشهري علي الطعام والشراب وعدد ساعات القراءة للفرد كل شهر ونوعية المسكن(ملك ـ إيجار)... إلخ. كذلك إذا أردنا بناء مقياس للإسهام الاجتماعي والاقتصادي لمنظمات القطاع الأهلي فإنه سيكون مركبا بالضرورة نظرا لتعدد الجوانب والأدوار التي يقوم بها هذا القطاع في خدمة المجتمع. وعلي ذلك يمكن القول إنه بناء أي مقياس يتطلب الإجابة علي سؤالين أساسيين هما:
1ـ ما المؤشرات التي ستدخل في تكوين المقياس
كيف سيتم وزن كل مؤشر
وتلتقي عملية التقييم مع عملية القياس في مجموعة الإجراءات اللازمة لكليهما فالتقييم يتطلب جمع أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات الدقيقة عن نشاط المؤسسة أو المنظمة والتعرف علي أهدافها واختيار المعايير التي يمكن بها تحديد مستوي الإنجاز وجمع البيانات والإحصاءات الدقيقة عن الإنجازات الفعلية ثم تحليل البيانات والإحصاءات وفقا لأساليب التحليل الكمي/ الإحصائي وتقدير ما إذا كان الأداء مكافئا لحجم النفقات أم أقل وتفسير النتيجة في كلتا الحالتين. وتصب حصيلة هذا كله في اتجاه القياس وتيسر ـ إلي حد كبير ـ عملية بناء المقياس ذاته كما أنها تسهم في بلورة مؤشراته القابلة للملاحظة والتحديد الكمي وبالتالي يكون من الممكن تحديد الأوزان النسبية لكل منها وحساب تأثيره علي أداء المنظمات الأهلية وإسهامها في التنمية البشرية وفي التقدم الاجتماعي والاقتصادي علي المستوي الوطني أو القومي العام.
وبخلاف عملية التخطيط التي لا تواجه صعوبات كبيرة وكذلك عملية التقييم التي تواجه بعض الصعوبات النظرية والتقنية نجد أن عملية بناء المقياس وتحديد مؤشرات القياس تواجه إشكاليات كبيرة علي المستويين النظري والتقني ومن ثم تحتاج إلي كثير من الجهود والاختبارات حتي يمكن التوصل إلي مقياس ذي كفاءة وذي جدوي عملية.
إشكاليات القياس
من المفيد في هذا السياق إن نلقي الضوء علي أهم هذه الإشكاليات الخاصة بقياس إسهام القطاع الأهلي العربي في التنمية ويمكن إيجازها في الآتي.
1ـ عدم تبلور الدور الاقتصادي والاجتماعي للمنظمات الأهلية العربية في نظم إحصائية دقيقة تعكس تفاصيل حجم هذا القطاع ومجالات نشاطه ومصادر تمويله وغير ذلك من البيانات التي تفيد في تحديد وتحليل حجم هذا الدور علي المستويين الجزئي والكلي.
2ـ الطبيعة المختلطة للقطاع الأهلي العربي وصعوبة تعريفه أصلا تعريفا جامعا مانعا يستوفي جميع مفرداته إلي جانب تعدد النشاطات التي تمارسها المنظمة الأهلية الواحدة الأمر الذي يجعل من الصعب وضع معايير موحدة للتصنيف والرصد والتحليل ومن ثم التقدير الكمي والقياس الدقيق للإسهام الاجتماعي والاقتصادي للقطاع كله.
3ـ صعوبة تحويل بعض النشاطات المهمة التي يقوم بها القطاع الأهلي إلي أرقام وإحصاءات مثل نشاطات الرعاية الاجتماعية التي هي متنوعة بطبيعتها ولا يمكن ترجمتها إلي لغة الأرقام في كثير من الأحيان. وإذا أسقطنا من حسابنا هذا النمط من النشاط الأهلي فإن أي عملية للقياس ستكون مبتورة بالضرورة وغير معبرة عن الواقع.
4 ـ هناك أيضا إشكالية معقدة تتمثل في المزايا النسبية للخدمات والسلع التي توفرها منظمات القطاع الأهلي ويطلق عليها مزايا الاختيار المؤسسي ويقصد بها ثقة العملاءالمستفيدين في المؤسسة أو المنظمة التي تقدم السلعة أو الخدمة. ويقوم هذا المفهوم علي حساب قيمة الفرصة البديلة التي فقدت من الموارد. وفي حالة القطاع الخاص تحسم آليات السوق وقوانينه هذه المسألة بوضوح أما في حالة القطاع الأهلي فيصعب تقدير قيمة الفرصة البديلة حيث أن العوائد الناجمة عن اختيار تأسيس مشروع ما ـ وليكن عيادة خارجية ـ تتضمن أعباء اجتماعية غير منظورة بالأرقام والإحصاءات ولكنها تدخل في صميم تقدير العائد الاجتماعي للمشروع إلي جانب جدواه الاقتصادية وربما قبلها.
5ـ إشكالية عدم وجود قاعدة بيانات عن القطاع الأهلي وبالتالي لا مناص من القيام بسلسلة من الدراسات المسحية حتي يمكن البناء عليها في عملية قياس إسهام هذا القطاع. ومثل هذه الدراسات لا تزال تواجه بإحجام من بعض المنظمات رغبة في عدم الإفصاح عن بعض البيانات الأساسية مثل الميزانية ومصادر التمويل.
إن الإشكاليات السابق ذكرها تشير بوضوح إلي أن منظمات القطاع الأهلي لا تعمل في عزلة عن باقي قطاعات الاقتصاد الوطني أو القومي بل إنها تتداخل معها في نقاط متعددة فالقطاع الأهلي مثلا له رسالة تتمثل في المصلحة العامة شأنه شأن الحكومة كما أنه يشاركها في عدم توزيع الأرباح ومن هنا يختلفان مع القطاع الخاص ومؤسساته ولكن القطاع الأهلي يعود ليتفق مع الخاص في أن كلا منهما له إدارة خاصة وليست إدارة عامة كالحكومة أضف إلي ذلك شبه استحالة فصل الجانب الاجتماعي عن الاقتصادي في نشاط المنظمات الأهلية. وعليه فإن حل الإشكاليات التي ذكرناها هو مسئولية مشتركة ولا بد من تكاتف الجهود الحكومية والأهلية من أجل التغلب عليها.