الرئيسية
أحدث الصور
مقارنة الحكومة التقليدية بالحكومه الالكترونية
نجاح تقني وتعثر مجتمعي
نجاح تقني وتعثر مجتمعي
طوال السنوات الماضيه يجهد فريق وزارة التنميه الاداريه المسئول عن برامج الحكومه الالكترونيه نفسه في تصميم وتنفيذ برامج الحكومهالالكترونيه وخدماتها وبوابتها علي الانترنت ثم لا يحصدون سوي النذر اليسير من الفاعليه والاحساس الجماهيري العام بما يفعلون - وباستثناء موقع وزارة التربية والتعليم - اما لا يستفاد منها علي الاطلاق او يحدث بين الجهاز الحكومي وبين برامج الحكومه الالكترونيه تواصل ضعيف لا يتناسب مع ما تحمله من امكانات او ما بذل فيها من جهد, ووضع كهذا يكرس ظاهره النجاح التقني والتعثر المجتمعي لهذه البرامج, وهذه معضله تحتاج مصارحه في المناقشه, لان النجاح التقني المصحوب بالتعثر المجتمعي معناه موارد ضخمه تتبدد وجهود كبيره تتمدد ثم تصبح كالنقش في الماء, وهذا ما لا يطيقه احد.
يقول جمال محمد غيطاس ان السبب الاساسي في هذه المعضله ان الحكومه ومن ورائها جهاز الدوله الاداري البيروقراطي ككل لا تتعامل مع هذه البرامج باعتبارها فكرا جديدا وفلسفه مختلفه في العلاقه مع المواطن, ورويه مغايره لحقوقه وواجباته تفرض تغييرا جذريا في منهجيات العمل والبناء الموسسي الداخلي لجميع الهيئات والموسسات, بل تتعامل معها باعتبارها مجرد اداه تحقق بعض التجميل السطحي في صورتها امام الجماهير والعالم مجاراه لموضه التكنولوجيا, دون المساس بما ورثته من سلطه او ما تطبقه من طرق ومنهجيات في الاداء او تعتنقه من رويه لحقوقها وواجبات المواطن.. كيف ؟
التعرف علي ذلك عن قرب يتطلب ايضاح فكر وفلسفه النموذج الحكومي البيروقراطي العتيق الموروث عالميا وليس مصريا فقط والذي تتحدد علي اساسه طريقه تعامل اي حكومه تقليديه مع جماهيرها, وايضا ايضاح فكره وفلسفه النموذج الحكومي الالكتروني الحديث وليد عصر المعلوماتيه وثوره الاتصالات والذي تتحدد علي اساسه طريقه تعامل اي حكومه عصريه الكترونيه مع جماهيرها, وهنا نستند الي تحليل جلوريا ايفانز حول تجربه برنامج الحكومه الالكترونيه البريطانيه خلال عامي2001 و2003وصدر بعد ذلك في كتاب بعنوان الحكومه الالكترونيه
دراسه نقديه لتجربه الحكومه الالكترونيه الانجليزيه قامت بها موسسة فورستر للابحاث.
مقارنة بيت الحكومة البيروقرطية والحكومه الالكترونيه
ان الفكر السائد منذ قرون طويله لدي الاجهزه البيروقراطيه عالميا جعل الحكومه التقليديه تتصف بالعديد من الصفات منها انها:
هرميه البناء وخضوع المستوي الادني للمستوي الاعلي والتلقي منه بلا مناقشه.
تجعل من نفسها القلب او المركز الذي يدور حوله ويستجيب له ويخضع له كل ما سواه, وتركز علي تحقيق ما تراه او تضعه هي واداراتها وهيئاتها من اهداف, بينما الشعب والمواطنين واصحاب المصلحه والجمعيات والموسسات التجاريه فيوجدون علي الهامش ويسودهم شعور بان اراءهم لا يتم تقديرها والاعتداد بها.
سلطويه تتبع اسلوب اصدار التعليمات وتقديم الارشادات الواجبه التنفيذ.
تعتنق فكره ان الحكومه هي الاساس وتركز علي الخطط والاستراتيجيات التي توضع لتخفيف الاعباء عن نفسها.
تتغلب لديها ثقافه اعتقال المعلومات وحجبها علي ثقافه حريه المعلومات والافصاح عنها.
مستوي تفاعلها مع المواطنين واصحاب المصلحه الاخرين منخفض ويركز علي اهداف الادارات الداخليه والتعامل مع الحدث بعد وقوعه كرد فعل وتعاملاتها المباشره مع المتعاملين معقده بشده وتفتقد التنسيق مما يسبب شعورا بالاحباط الشديد لدي المواطنين.
تستخدم تكنولوجيات جديده دون اخذ المستخدمين في الاعتبار.
تتعامل مع الاحداث بعد وقوعها وتلتزم بقيود اجرائيه وتستجيب للتغيير ولا تسعي الي احداثه.
تري مصدر القوه هو اللجوء الي فرض الاستقرار من خلال جعل الهياكل والطرق التقليديه هي الاساس لمختلف العمليات والثقافات السائده في العمل, ولذلك فانه عند حدوث تغيير علي نطاق واسع او المطالبه به يبدو ذلك في نظر الحكومه وكانه انقلاب جوهري علي كل المستويات.
تبدو كالقلعه المغلقه علي اصحابها ونظمها, حيث يتم بداخلها فقط التعرف علي ما يجب علي الموسسه ان تقوم به وكيفيه القيام بذلك ومن ثم تقديمه بشكل مستقل.
تسودها علاقات غير متكامله وتتم علي اساس بيروقراطي بين الادارات والمستويات المختلفه بداخلها.
تميل الي رفض التحديث والتعديل ولا تجرب وتتهرب من المسئوليه ويكون لمبدا كبش الفداء تاثير قوي وفعال في بيئه العمل, كما تتسمك بطرق واساليب العمل القديمه.
بطيئه الاستجابه ومعدل استجابتها لمواطنيها يقاس بالشهور ويتاثر بهياكل واساليب العمل التقليديه وعدم الترابط بين الادارات وصعوبه التعديل.
تميل الي تغييرات تكتيكيه لتحقيق غرض معين يلبي احتياجات فوريه, وتعيد استخدام المراحل التي تم انجازها بدلا من العمل علي تطويرها وتحديثها, وغالبا ما تمارس التحسين والتطوير بصوره متقطعه.
في المقابل فان الفلسفه والفكر الذي قامت عليه مفاهيم وبرامج الحكومه الالكترونيه يحاول بناء حكومه تتصف بانها:
ذات تنظيم شبكي تعتبر ان مهمتها الاولي تقديم الخدمات ويقوم عملها علي التعاون في العمل بين جميع النظم القائمه ومشاركه الخبراء من الخارج.
تركز علي تحقيق الاهداف المتعلقه باصحاب المصلحه من الجمهور, بالاضافه لتحسين عمليه تقديم الخدمات.
تعاونيه تجاه مواطنيها وذات تفاعل عال معهم وتهتم برصد ردود الفعل لديهم وتركز علي اهدافهم ومتطلباتهم وتتعامل مع الاحداث قبل وقوعها بشكل يشجع علي المشاركه النشطه والتواصل الفعال, وبالتالي يشعر المواطنون بانهم اصبحوا جزءا من الحكومه واكثر سيطره علي مصيرهم الخاص.
' منصته' وتعتبر المواطنين هم الاساس وتركز علي ارضائهم, وتعتمد منهج يقوم علي تولي المواطنين انفسهم لمسئوليه اداره علاقتهم مع الحكومه.
توازن بين الحق في حريه المعلومات وتداولها ومقتضيات امن وحمايه البيانات والمعلومات وصيانتها.
قائمه علي نموذج اتصالات متكامل فيما يتعلق بالتواصل بين وحداتها, ويستند هذا النموذج الي قيم واخلاقيات المشاركه والتعاون في العمل والمبادره
تتعامل مع الحدث قبل وقوعه وتبحث عن ابتكار طرق جديده لاداء الاعمال وتقديم الخدمات بشكل افضل وتبادر باحداث التغيير واستيعابه بدلا من انتظار حدوثه ثم الاستجابه له.
تري ان مصدر القوه هو امتلاك طرق واساليب العمل وبنيه تنظيميه تتسم بالمرونه وسرعه الاستجابه, وشكل موسسي يسمح بالتكيف مع التغييرات الشامله والرئيسيه واستيعابها بسهوله وباقل قدر من تعطيل سير العمل.
مفتوحه وقائمه علي التعدديه والتنوع وتعتمد علي الاخرين كي يقدموا العون في عمليه تقديم الخدمات.
تعتمد علي راس المال الفكري وعلي خبره الموظفين وعلي اساليب عمل مرنه كنظام العمل من المنزل او طرق العمل عن بعد وفقا لحاجه العمل.
تقبل بفكره المخاطره, وتدعم تحمل المسئوليه والعمل وفقا لاساليب بتقديم المكافات والحوافز للموظفين وتطبق قرارات واساليب عمل جديده ومبتكره تتيح التعامل مع المخاطر بشكل فعال.
جهودها تتكامل مع جهود شركائها من المواطنين والجهات الاخري بشكل فعلي وتوافق علي قيام الشركاء باداره الخدمات اذا كان ذلك يفيد عمليه تقديم هذه الخدمات.
تستجيب لطلبات مواطنيها خلال ساعات ودائما في حاله متابعه وتعديل وتحسين لادائها من خلال استخدام وسائل منهجيه مترابطه تستجيب للتغيرات بشكل سريع وسهل.
استشاريه تشجع وتسهل ابداء الاراء في تقارير الافاده علي كل المستويات.
تنفذ استراتيجيه تنميه وتطوير بشكل قائم علي المبادره وبرامجها التنمويه تتم وفق رويه اكثر شمولا ودائما ما يتم تنميه وتطوير ما تم انجازه, وبالتالي هناك حاله دائمه من التغيير السلس والمستمر.
وتوكد الخبرات الدوليه بما فيها التجربه البريطانيه المشار اليها ان ايه حكومه تقرر تنفيذ برامج للحكومه الالكترونيه يتحتم عليها اولا ان تغير نفسها وتقلع عن الاطار الفكري الموسساتي القديم بملامحه المشار اليها, وتقبل وتطبق الفكر الجديد بملامحه التي تتناسب وطبيعه برامج الحكومه الالكترونيه
وبدون هذا التغيير الجوهري في الرؤي والافكار يكون مصير برامج الحكومه الالكترونيه الفشل والعجز عن الانتشار مجتمعيا, لانه من المستحيل علي حكومه سلطويه تضع نفسها في المركز وتدفع شعبها الي الهامش وتقدم خدماتها ببطء وتمن علي شعبها بما تفعل ان تقنع الناس بما تفعله في مجال الحكومه الالكترونيه.
في ضوء ذلك فاننا لو قارنا الفكر والفلسفه التي يعمل بها النموذج الحكومي المصري مع الفكر والفلسفه المطلوبه لنموذج الحكومه الالكترونيه ومساحه التقارب والابتعاد بينهما, سنكتشف ان الحكومه وهي تنفذ برامج الحكومه الالكترونيه تجاهلت عمدا او جهلا البعد الخاص بتحديث وتغيير الفكر والفلسفه والرويه ومنهجيات اداره العلاقه مع المواطنين, وانصب اهتمامها علي الادوات والاجهزه والبرمجيات والخبرات التقنيه التي راحت تنفق عليها اما مصادفه او رياء
والنتيجه ان صورتها التقليديه ذات الملامح غير المقبوله لا تزال كما هي دون تغيير, ولذلك فان المواطن حينما يسمع بالحكومه الالكترونيه لا يجد امامه ما يجعله يقتنع بان شيئا ما تغير لدي الحكومه, ومن ثم لا يتهيا عقليا ونفسيا وعمليا لتقبل فكر الحكومه الالكترونيه كشيء جديد, وهذا بالضبط السبب الذي اورد برامج الحكومه الالكترونيه مورد التجاهل وعدم الفهم ومحدوديه الانتشار وانعدام الثقه مجتمعيا
وجعلها في نهايه المطاف اشبه باطراف صناعيه غريبه ملتصقه بجسد مجتمع منهك سواده الاعظم غير راض عن حكومته, فكان طبيعيا ان نجد من يسخر من هذه البرامج بدلا من تقديرها.