تستهدف هذه المحاضرة إبراز الخصوصية الفريدة للمؤسسة التعليمية فى قضية الأخلاق ، فالأسرة و المسجد و أجهزة الاعلام كلها تؤثر فى سلوكيات الأفراد و أخلاقهم ، و لكن المؤسسة التعليمية على وجه الخصوص مسئولة مباشرة عن أمرين مرتبطين : نقل العلم و تربية الخلق .
و يواجه المربى ( معلماً كان أو أستاذاً جامعياً ) فى هذا الخصوص معضلات أخلاقية متعددة و بالتالى فإن عمله شائك و يتطلب وعياً عالياً و التزاماً جاداً إذا قدر له أن ينهض بمسئوليته ، إن المربى مسئول عن تغيير الطالب و فى نفس الوقت احترام استقلال تفكيره ، و هو مسئول عن تعليم الطالب التفكير المنهجى و الأخذ بالأسبــــــاب و مع ذلك هو مطالب باقناع الطالب بما يراه هو سليماً فى الحكم على الأمور ، و هو مسئول عن النمو الخلقى للطالب و لكن أطرافاً أخرى تلعب دورها فى هذا النمو ، فما حدود مسئوليته إذن ؟ !
كل هذه و غيرها من التساؤلات أرجو أن أساعد بهذه المحاضرة فى التعامل الواعى معها ، ثم أنتقل إلى طرح رؤية محددة بشأن : ما الذى نتوقعه من المربى من أخلاقيات فى مختلف المجالات ؟.
1 – المؤسسة التعليمية مؤسسة أخلاقية
1/1 – ماالأخلاق ؟
· فى أبسط تعريف ، الأخلاق هى
" أن تميز بين الصواب و الخطأ ثم تفعل الصواب "
· و هذا تعريف محدد وواضح ، و نتوقع بموجبه من الشخص الخلوق أن يكون قادراً على إصدار الأحكام الأخلاقية بناء على تمييزه بين الصواب و الخطــــأ ، و نتوقع منه أيضاً أن يجنح إلى فعل الصواب باعتباره خياراً أخلاقياً و ليس فقط باعتباره التزاماً قانونياً ، أو واجباً وظيفياً .
· الأخلاق إذن مسألة لا تتعلق بالعقل فقط ، و إنمـا تتعــــــلق أيضـــاً بالضـــــمير و الوجدان .
· و هى تعنى الانحياز للسلوك الصحيح ، لأن هذا ما يمليه علينا ضميرنا ، و ليس فقط لأن هذا ما تفرضه علينا القوانين أو الادارة العليا .
1/2 – من أين تستمد الأخلاق ؟
· تستمد المعايير الأخلاقية من مصدرين رئيسيين :
1/2/1 – المصدر الأول
القيم الإنسانية المنبثقة من الديانات السماوية . " إنما بعثت لأتمـــم مكارم الأخلاق " و من أمثلة هذه القيم الأمانة و الصدق و الوفاء .
1/2/2 – المصدر الثانى
الثقافة السائدة فى المجتمع و ما يفعله الآخرون ، فما يشاهده المعلم فى سلوكيات الآخرين لابد سيترك أثراً عليه أحياناً ، بل إن تصرف رئيس الجامعة أو مدير المدرسة مثلاً يمكن أن يصبح معياراً يقيس عليه المدرس للاختيار بين تصرفين مطروحين للمناقشة و السلوك .
1/3 – خصوصية المؤسسة التعليمية فى مسألة الأخلاق
1/3/1 – لما كانت المؤسسة التعليمية هى المسئولة بالدرجة الأولى عن اعداد البشر و بناء شخصية الطالب ، فانها تكون بالضرورة مؤسسة أخلاقية ، فلا انفصال بين مسئوليتها فى تعليم العلم و مسئوليتها فى بناء الخلق ، بل إن النهوض بالمسئولية الخلقية هو أضمن الطرق لتيسير النهوض بالمسئولية العلمية .
1/3/2 – و يترتب على ذلك 3 أمور أساسية :
الأمر الأول
يجب على كل معلم ( و كل أستاذ جامعى ) إدراك الآثار الأخلاقية لأفعاله و أقواله و كل تصرفاته . و يجب أن يدرك أن كل عمل أو نشاط يجرى فى المدرسة ( أو فى الجامعة ) له أثر أخلاقى على الطالب ، و عـلى البيئـــــة ، و ربما على المجتمع بأسره .
و هذه مسئولية جسيمة ملقاه على كل معلم ( و أستاذ ) و عليهم الوفاء بمترتباتها أمام أنفسهم و أمام المجتمع .
الأمر الثانى
يتعين على المعلم ( أو الأستاذ ) أن يكون ملتزماً أخلاقياً لأنه القدوة الدائمة أمام طلابه . إنه نموذج حى و يتحرك يشــــاهده الطـــــلاب و الآبــــاء و الزملاء ، و يتأثرون مباشرة به . إنك إذ توظف المعلم فإنك توظف أخلاقه معه .
الأمر الثالث
علينا الوعى بأن المعلم ( و الأستاذ ) مسئول عن النمو الخلقى لطلابه ، فلا يصح الزعم بأن المعلّم مشغول بالمناهج و الامتحـــــــانات و لا وقت لديه " يضيّعه " فى مسائل الأخلاق . إن هذا زعم باطل ، لأن المعلّم يؤثر فى طلابه بقصد و بدون قصد ، سواء شاء ذلك أو لم يشأ . إنه – كما قلنا سلفاً – نموذج سلوكى متحرك .
1/4 - معضلات أخلاقية أمام المعلّم خاصة
يواجه المعلم ( و الأستاذ ) خصوصية متفردة بالمقارنة بغيره من أصحاب المهن فى قضية الأخلاق ، و ترتب هذه الخصوصية ثلاث معضلات عليه التعامل معها بنجاح :
· المعضلة الأولى ( الاستقلال ) كــــــــل طــالب من حقه أن يكون رأيه بنفسه و أن يختار قيمه و معــــتقداته ، و المعلم ( و الأستاذ الجامعى ) مطالب بأن يحترم هذا الاختيار . كيف يتأتى هذا ، بينما الأستاذ مطالب بأن يغيّر طريقة تفكير الطالب و أن يحثه على التحـول إلى فهـــــــم أفضـــــل للأمــــــــــور و ممارسة أكثر استنارة . بعبارة أخرى :
كيف يكون الأستاذ مطالباً باحترام استقلال الطالب كإنسان ، و في نفس الوقت يكون مطالباً بتغيير الطالب ؟
تلك واحدة من أهم المعضلات الخلقية التي تواجه المعلم و الأستاذ .
· المعضلة الثانية ( الرشد ) المعلم ( و الاستاذ الجامعى ) مطالب بأن يحترم التفكير الرشيد و أسلوب التسبيب الخاص بالطالب ، بل و أن يعلّم الطالب كيف يفكر بأسلوب منطقي . و بالتالي فالأستاذ مطالب بأن يخضع أطروحاته لتقييم الطالب و حكمه .. أي أن الأستاذ عليه ألا يلقن النتائج للطلاب و إنما أن يعلّمهم طرق الوصول إليها .. لا يعلمهم المهارات ، و إنما طرق تنمية المهارات .. لا يعلّمهم الاتجاهات و الآراء ، و إنما طرق التفكير المؤدية إلى تكوين الاتجاهات و الآراء .
و هذه هي المعضلة الثانية أمام المعلم أو الأستاذ !
· المعضلة الثالثة ( عملاؤنا صغار )
تمثل هذه الخصوصية صعوبة حقيقية في عمل المعلم ( أو الأستاذ الجامعي ) ، بل قد يثار الجدل بالفعل حول من هم عملاؤك كأستاذ : هل هو الطالب فقط ، أم الأسرة أم الجهات التي سيعمل فيها بعد التخرج ، أم المجتمع الواسع الذي سيستقبل هذا الخريج ؟ أم من بالتحديد ؟
من الذي يقرر مستقبل الطالب حقيقة ؟ و من له الحق الطبيعي في ذلك ؟ و لا يخفى علينا احتمالات و مدى التعارض في الرؤى بين مختلف الأطراف ، و بالتالي التعارض في توقعات الأطراف المختلفة منك كأستاذ فيما تفعله مع الطالب .
و سوف أعترف فوراً بجواز وجود تضارب في الرؤى بين الأطراف المختلفة صاحبة المصلحة في المهن الأخــــرى ( كالطــــب أو الهندســـــة أو المحاسبة ) ، و لكن المسألة في التربية أكثر صعوبة لأن الاختلاف لا يكون فقط حول تحديد مصلحة الطالب ، و إنما أيضاً حول من له الحق في تحديد هذه المصلحة .
من هنا كان المصدر الثالث لخصوصية عمل المعلّم والأستاذ الجامعي في تعامله مع القضية الأخلاقية .
· المعضلة الرابعة ( من المسئول )
يعد المعلم ( أو الأستاذ ) مسئولاً عن النمو الخلقى السليم للطالب ، و بالتالى قلنا إنه قدوة متحركة و إنه يؤثر فى شخصية الطالب بقصــد و بغير قصــد . و لكن السؤال هو : ألا يتعرض الطالب لمؤثرات أخرى من الأسرة ، و من الاعلام ، و من النادى ؟ الخ ؟ فمن يا ترى يكون المسئول ؟! و هل يمكن أن يكون المعلم أكثر أخلاقية من المجتمع الذى يعيش فيه ؟
و يواجه المربى ( معلماً كان أو أستاذاً جامعياً ) فى هذا الخصوص معضلات أخلاقية متعددة و بالتالى فإن عمله شائك و يتطلب وعياً عالياً و التزاماً جاداً إذا قدر له أن ينهض بمسئوليته ، إن المربى مسئول عن تغيير الطالب و فى نفس الوقت احترام استقلال تفكيره ، و هو مسئول عن تعليم الطالب التفكير المنهجى و الأخذ بالأسبــــــاب و مع ذلك هو مطالب باقناع الطالب بما يراه هو سليماً فى الحكم على الأمور ، و هو مسئول عن النمو الخلقى للطالب و لكن أطرافاً أخرى تلعب دورها فى هذا النمو ، فما حدود مسئوليته إذن ؟ !
كل هذه و غيرها من التساؤلات أرجو أن أساعد بهذه المحاضرة فى التعامل الواعى معها ، ثم أنتقل إلى طرح رؤية محددة بشأن : ما الذى نتوقعه من المربى من أخلاقيات فى مختلف المجالات ؟.
1 – المؤسسة التعليمية مؤسسة أخلاقية
1/1 – ماالأخلاق ؟
· فى أبسط تعريف ، الأخلاق هى
" أن تميز بين الصواب و الخطأ ثم تفعل الصواب "
· و هذا تعريف محدد وواضح ، و نتوقع بموجبه من الشخص الخلوق أن يكون قادراً على إصدار الأحكام الأخلاقية بناء على تمييزه بين الصواب و الخطــــأ ، و نتوقع منه أيضاً أن يجنح إلى فعل الصواب باعتباره خياراً أخلاقياً و ليس فقط باعتباره التزاماً قانونياً ، أو واجباً وظيفياً .
· الأخلاق إذن مسألة لا تتعلق بالعقل فقط ، و إنمـا تتعــــــلق أيضـــاً بالضـــــمير و الوجدان .
· و هى تعنى الانحياز للسلوك الصحيح ، لأن هذا ما يمليه علينا ضميرنا ، و ليس فقط لأن هذا ما تفرضه علينا القوانين أو الادارة العليا .
1/2 – من أين تستمد الأخلاق ؟
· تستمد المعايير الأخلاقية من مصدرين رئيسيين :
1/2/1 – المصدر الأول
القيم الإنسانية المنبثقة من الديانات السماوية . " إنما بعثت لأتمـــم مكارم الأخلاق " و من أمثلة هذه القيم الأمانة و الصدق و الوفاء .
1/2/2 – المصدر الثانى
الثقافة السائدة فى المجتمع و ما يفعله الآخرون ، فما يشاهده المعلم فى سلوكيات الآخرين لابد سيترك أثراً عليه أحياناً ، بل إن تصرف رئيس الجامعة أو مدير المدرسة مثلاً يمكن أن يصبح معياراً يقيس عليه المدرس للاختيار بين تصرفين مطروحين للمناقشة و السلوك .
1/3 – خصوصية المؤسسة التعليمية فى مسألة الأخلاق
1/3/1 – لما كانت المؤسسة التعليمية هى المسئولة بالدرجة الأولى عن اعداد البشر و بناء شخصية الطالب ، فانها تكون بالضرورة مؤسسة أخلاقية ، فلا انفصال بين مسئوليتها فى تعليم العلم و مسئوليتها فى بناء الخلق ، بل إن النهوض بالمسئولية الخلقية هو أضمن الطرق لتيسير النهوض بالمسئولية العلمية .
1/3/2 – و يترتب على ذلك 3 أمور أساسية :
الأمر الأول
يجب على كل معلم ( و كل أستاذ جامعى ) إدراك الآثار الأخلاقية لأفعاله و أقواله و كل تصرفاته . و يجب أن يدرك أن كل عمل أو نشاط يجرى فى المدرسة ( أو فى الجامعة ) له أثر أخلاقى على الطالب ، و عـلى البيئـــــة ، و ربما على المجتمع بأسره .
و هذه مسئولية جسيمة ملقاه على كل معلم ( و أستاذ ) و عليهم الوفاء بمترتباتها أمام أنفسهم و أمام المجتمع .
الأمر الثانى
يتعين على المعلم ( أو الأستاذ ) أن يكون ملتزماً أخلاقياً لأنه القدوة الدائمة أمام طلابه . إنه نموذج حى و يتحرك يشــــاهده الطـــــلاب و الآبــــاء و الزملاء ، و يتأثرون مباشرة به . إنك إذ توظف المعلم فإنك توظف أخلاقه معه .
الأمر الثالث
علينا الوعى بأن المعلم ( و الأستاذ ) مسئول عن النمو الخلقى لطلابه ، فلا يصح الزعم بأن المعلّم مشغول بالمناهج و الامتحـــــــانات و لا وقت لديه " يضيّعه " فى مسائل الأخلاق . إن هذا زعم باطل ، لأن المعلّم يؤثر فى طلابه بقصد و بدون قصد ، سواء شاء ذلك أو لم يشأ . إنه – كما قلنا سلفاً – نموذج سلوكى متحرك .
1/4 - معضلات أخلاقية أمام المعلّم خاصة
يواجه المعلم ( و الأستاذ ) خصوصية متفردة بالمقارنة بغيره من أصحاب المهن فى قضية الأخلاق ، و ترتب هذه الخصوصية ثلاث معضلات عليه التعامل معها بنجاح :
· المعضلة الأولى ( الاستقلال ) كــــــــل طــالب من حقه أن يكون رأيه بنفسه و أن يختار قيمه و معــــتقداته ، و المعلم ( و الأستاذ الجامعى ) مطالب بأن يحترم هذا الاختيار . كيف يتأتى هذا ، بينما الأستاذ مطالب بأن يغيّر طريقة تفكير الطالب و أن يحثه على التحـول إلى فهـــــــم أفضـــــل للأمــــــــــور و ممارسة أكثر استنارة . بعبارة أخرى :
كيف يكون الأستاذ مطالباً باحترام استقلال الطالب كإنسان ، و في نفس الوقت يكون مطالباً بتغيير الطالب ؟
تلك واحدة من أهم المعضلات الخلقية التي تواجه المعلم و الأستاذ .
· المعضلة الثانية ( الرشد ) المعلم ( و الاستاذ الجامعى ) مطالب بأن يحترم التفكير الرشيد و أسلوب التسبيب الخاص بالطالب ، بل و أن يعلّم الطالب كيف يفكر بأسلوب منطقي . و بالتالي فالأستاذ مطالب بأن يخضع أطروحاته لتقييم الطالب و حكمه .. أي أن الأستاذ عليه ألا يلقن النتائج للطلاب و إنما أن يعلّمهم طرق الوصول إليها .. لا يعلمهم المهارات ، و إنما طرق تنمية المهارات .. لا يعلّمهم الاتجاهات و الآراء ، و إنما طرق التفكير المؤدية إلى تكوين الاتجاهات و الآراء .
و هذه هي المعضلة الثانية أمام المعلم أو الأستاذ !
· المعضلة الثالثة ( عملاؤنا صغار )
تمثل هذه الخصوصية صعوبة حقيقية في عمل المعلم ( أو الأستاذ الجامعي ) ، بل قد يثار الجدل بالفعل حول من هم عملاؤك كأستاذ : هل هو الطالب فقط ، أم الأسرة أم الجهات التي سيعمل فيها بعد التخرج ، أم المجتمع الواسع الذي سيستقبل هذا الخريج ؟ أم من بالتحديد ؟
من الذي يقرر مستقبل الطالب حقيقة ؟ و من له الحق الطبيعي في ذلك ؟ و لا يخفى علينا احتمالات و مدى التعارض في الرؤى بين مختلف الأطراف ، و بالتالي التعارض في توقعات الأطراف المختلفة منك كأستاذ فيما تفعله مع الطالب .
و سوف أعترف فوراً بجواز وجود تضارب في الرؤى بين الأطراف المختلفة صاحبة المصلحة في المهن الأخــــرى ( كالطــــب أو الهندســـــة أو المحاسبة ) ، و لكن المسألة في التربية أكثر صعوبة لأن الاختلاف لا يكون فقط حول تحديد مصلحة الطالب ، و إنما أيضاً حول من له الحق في تحديد هذه المصلحة .
من هنا كان المصدر الثالث لخصوصية عمل المعلّم والأستاذ الجامعي في تعامله مع القضية الأخلاقية .
· المعضلة الرابعة ( من المسئول )
يعد المعلم ( أو الأستاذ ) مسئولاً عن النمو الخلقى السليم للطالب ، و بالتالى قلنا إنه قدوة متحركة و إنه يؤثر فى شخصية الطالب بقصــد و بغير قصــد . و لكن السؤال هو : ألا يتعرض الطالب لمؤثرات أخرى من الأسرة ، و من الاعلام ، و من النادى ؟ الخ ؟ فمن يا ترى يكون المسئول ؟! و هل يمكن أن يكون المعلم أكثر أخلاقية من المجتمع الذى يعيش فيه ؟